تستخدم الحكومات في مختلف أنحاء العالم تقنيات المراقبة لرصد مدى امتثال مرضى فيروس كوفيد-19 لتعليمات التزام الحجر المنزلي. وتشمل هذه التقنيات أموراً مثل رصد الموقع الجغرافي عبر السوار الذي يوضع في الكاحل، وتطبيقات الهاتف التي تتتبّع الموقع الجغرافي، والتطبيقات الأخرى التي تطلب من المرضى التقاط صور سيلفي شخصية أثناء الحجر وإرسالها دورياً إلى المراقبين الحكوميين.

تحدّ تقنيات المراقبة من الحقوق الأساسية كما يمكن أن تعود بأضرار على الصحة العامة عن طريق تثبيط عزيمة الناس على إجراء فحص الكشف عن كورونا. وبالتالي، يجب ألّا يُجبر أيّ مريض على الخضوع لتقنيات المراقبة هذه لمجرّد تبيان إصابته بفيروس كوفيد-19 أو لأنّه يعتقد أنّه معرّض لخطر الإصابة بالعدوى.

أنواع المراقبة خلال الحجر الصحي

أصدر القضاة في ولايتي فرجينيا الغربية وكنتاكي الأميركيتين أمراً يفرض على بعض الأشخاص الذين تبيّنت إصابتهم بالفيروس وزُعم أنّهم خالفوا أوامر البقاء في المنزل ارتداء أساور الكاحل العاملة بتقنية نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) من أجل تحديد مواقعهم الجغرافية (وهو ما يُعرف باسم "المراقبة الإلكترونية"). كما قرّرت ولاية هاواي الطلب من جميع الأشخاص الذين يأتون من خارج الولاية ارتداء أساور الكاحل الإلكترونية لضمان التزامهم بالحجر الإلزامي لمدّة 14 يوماً الذي تفرضه الولاية عند الوصول إلى أراضيها، قبل أن تنشر تقارير تفيد بتعليق هذه الخطّة بعد مخاوف أثارها المدّعي العام للولاية.

وأشار حاكم فلوريدا بدوره إلى أنّ ولايته تطوّر تطبيقاً لمراقبة مدى التزام القادمين من خارج الولاية بفترة الحجر المنزلي لمدّة 14 يوماً عند الوصول. كما أفادت تقارير بأنّ شركة "كلير فيو إيه آي" (Clearview AI) لبيع تقنيات مراقبة الوجوه كانت تجري محادثات مع هيئات حكومية لاستخدام التكنولوجيا الخاصة بها في تتبّع مرضى كوفيد-19. قد يعني استخدام تقنية التعرّف إلى الوجوه لفرض الحجر الصحّي وضع الكثير من المساحات العامة قيد المراقبة بالفيديو بحجّة أنّ شخصاً ما يسير في هذا المكان قد يُكتشَف أنّه مريض بالفيروس.

تستخدم الحكومات في بلدان أخرى تقنيات مختلفة، مثل كوريا الجنوبية التي تفرض على الأشخاص الملتزمين بالحجر الصحي تنزيل تطبيق يستخدم تقنية "جي بي إس" لتتبّع مواقعهم الجغرافية وتنبيه الحكومة في حال مغادرتهم للمنزل. من جهة ثانية، تفرض بولندا على الملتزمين بالحجر الصحي أن ينزّلوا تطبيقاً لاستخدامه من أجل الامتثال للطلبات المتكرّرة وإرسال صورة سيلفي شخصية تحمل بصمتي الزمان والمكان للحكومة. أما إسرائيل فتستخدم طائرات بدون طيار للتلصّص على الأشخاص في الحجر المنزلي عبر النوافذ.

وقد تحاول الحكومات كذلك، من الناحية النظرية، مراقبة التزام المرضى بالحجر الصحي باستخدام تقنيات مراقبة أخرى، مثل محاكيات أبراج الهواتف الموجّهة إلى هاتف المريض، أو قارئات لوحات السيارات الآلية الموجّهة إلى سيارة المريض، أو أجهزة "جي بي إس" الموضوعة في سيارة المريض، أو طلب بيانات المواقع من مزوّد خدمة الاتصالات الذي يتعامل معه المريض.

أضرار المراقبة خلال الحجر الصحي

قد تؤدّي المراقبة الإلكترونية لمرضى كوفيد-19 إلى الإضرار بالصحة العامة. تُظهر موجات الوباء السابقة أنّ الأشخاص الذين وثقوا بسلطات الصحة العامة كانوا أكثر ميلاً للالتزام بالجهود المبذولة لاحتواء الوباء، أما النهج العقابي للاحتواء فيمكن أن يقوّض تلك الثقة. على سبيل المثال، قد يميل الناس إلى تجنّب إجراء فحص الكشف عن كورونا إذا كانوا يخافون من العواقب المترتّبة على النتيجة مثل اعتبارهم ناقلين للعدوى. وبالفعل، فإنّ نسبة الأشخاص الذين يثقون بالحكومة فيما يتعلّق برعايتهم الصحّية في الولايات المتحدة لا تتخطّى النصف، حسبما تشير دراسة نُشرت في الآونة الأخيرة.

  • يقوّض إكراه الأفراد على تنزيل تطبيق المراقبة حقّهم في التحكّم بهواتفهم الذكية باستقلالية، والتحكّم بطريقة معالجة هواتفهم لمعلوماتهم الشخصية. وبالتالي، يجب ألّا تكون الحكومات قادرة على تحويل هذه الأداة التي تحمل الكثير من البيانات الشخصية إلى سجّان يقرّر متى نحصل على إفراج مشروط، بما يشبه ما نسمّيه "برمجيات المطاردة الخفية" (stalkerware) عندما يطارد أحدهم شخصاً ما. وبالنسبة إلى التطبيقات التي تجبر الحكومات الأشخاص على تنزيلها، فقد تؤدّي إلى إحداث ثغرات أمنية جديدة تسهّل على الجهات الخبيثة اختراق هواتف مستخدمي هذه التطبيقات.
  • يُعتبر إجبار الأشخاص على إرسال صور سيلفي شخصية إلى الحكومة نوعاً من التعبير القسري، إضافة إلى أنّ الكثير من صور السيلفي قد تكشف معلومات حساسة من داخل المنزل، مثل حالة المريض في مكانه الخاص، والأشخاص الآخرين الموجودين في المكان. كما أنّ هذه الصور يمكن أن تكشف عن أمور شخصية وتعبيرية أخرى مثل الملصقات السياسية، وقد تعرّي خصوصية مكتباتنا المنزلية، وهو ما حظي برعاية خاصة من المحكمة العليا للولايات المتحدة الأميركية.
  • أساور الكاحل العاملة بتقنية "جي بي إس" ليست مريحة، ويمكن أن تطلق إنذاراً خاطئاً، وغالباً ما يُطلب إلى الشخص المجبر على وضعها أن يدفع ثمنها.
  • تُعدّ المراقبة بتقنية التعرّف على الوجوه أمراً تدخّلياً للغاية ويجب على الحكومة ألّا تستخدمها بتاتاً حتّى لمواجهة أزمة كوفيد-19.

بالإضافة إلى ما سبق، تنطوي عملية المراقبة الإلكترونية لمدى الالتزام بالحجر المنزلي على خطر محدق يتمثّل في التمييز ضدّ الأشخاص ذوي البشرة الملونة والفئات المستضعفة الأخرى. كما أنّ استخدام أساور الكاحل العاملة بتقنية "جي بي إس" في نظام العدالة الجنائية ينطوي على تفاوتات عنصرية، وهو ما ظهر بالفعل في الطريقة التي تطبّق فيها الشرطة قواعد التباعد الاجتماعي. وفي الكثير من الأحيان، غالباً ما تُستخدم تقنيات المراقبة الجديدة هذه بطريقة تشتمل على التمييز.

وعليه، بسبب ما يشتمل عليه استخدام هذه التقنيات من شوائب من حيث الفعالية واحترام حقوق الإنسان، يجب ألّا يخضع مرضى فيروس كوفيد-19 وغيرهم لأيّ نوع من تقنيات المراقبة التي ترصدهم خلال الحجر المنزلي بالاستناد فقط إلى نتائج الفحوصات الإيجابية أو إلى الشكّ في احتمال إصابتهم بالفيروس. فالدليل على احتمال إصابة الشخص بالفيروس لا يعني أنّه سينتهك قواعد الحجر المنزلي، أمّا ما يدفع معظم الناس للالتزام بالتعليمات الصحية العامة هو الحفاظ على سلامة أسرهم ومجتمعاتهم.

القيود الدستورية على عملية المراقبة خلال الحجر الصحي

يفرض دستور الولايات المتحدة الأميركية على الحكومة قيوداً فيما يتعلّق بإمكانية استخدام تقنيات المراقبة لرصد مدى التزام مرضى كوفيد-19 بقواعد الحجر المنزلي.

أوضح قرار المحكمة العليا في قضية "كاربنتر ضد الولايات المتحدة"، والذي شكّل نقطة تحوّل كبيرة منذ عام 2018، أنّ الحكومة تجري "عملية بحث وتحرٍّ" تقع تحت التعديل الرابع لدستور الولايات المتحدة عندما تستخدم التكنولوجيا لإنشاء "سجلّ مفصّل للوجود المادّي للشخص" تلقائياً. أما المحاكم ذات الدرجة الأدنى فوسّعت التفسير في قضية "كاربنتر" إلى ما هو أبعد من تقنية المراقبة المحدّدة في هذه الحالة (معلومات موقع الهاتف الخلوي أو ما يُعرف اختصاراً بـ CSLI) ليشمل تقنيات إضافية، مثل موقع الهاتف الخلوي في الوقت الحقيقي وكاميرات المراقبة المثبتّة على الأعمدة المستخدمة لرصد الممتلكات موضع الشبهة.

وفي مسألة التتبّع الإلكتروني للمرضى المحجورين، ينبغي كذلك اعتبار الأمر "بحثاً وتحرّياً"، ما يفرض على الحكومة مبدئياً أن تحصل على أمر بإجراء عملية البحث والتحرّي بناءً على استنتاج القاضي بشأن وقوع احتمال لارتكاب الجرم، ومع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الشخص وخصوصية أغراضه التي ستجري عملية البحث والتحرّي بشأنها. في هذا السياق، ينبغي للقاضي أن يجد سبباً محتملاً لانتهاك أحد الأشخاص حالة الحجر الصحي، وربّما يمكن إثبات ذلك عن طريق الأخذ بدليل يشير إلى انتهاك المريض للحجر في الماضي وليس عن طريق احتمال نقل المريض للعدوى وحسب.

رأى البعض أنّ عملية المراقبة خلال الحجر الصحي تقع ضمن مبدأ "الحاجات الخاصة"، وهو ما يُعتبر استثناءً لمتطلّبات المذكّرة العادية في التعديل الرابع في حال كان غرض الحكومة "يتجاوز الحاجة العادية لإنفاذ القانون" وفي حال كانت المصالح المتعلقة بالخصوصية "ضئيلة". تقاوم "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF) منذ وقت طويل استخدام هذا المبدأ كعذر لممارسة عملية مراقبة تدخّلية من دون مذكّرة، بما في ذلك عملية المراقبة الجماعية على الإنترنت التي تمارسها "وكالة الأمن القومي" (NSA) وعملية استخراج الحمض النووي من الأشخاص الموقوفين. يجب ألّا يُطبّق هذا المبدأ في حالات وضع الشرطة للأساور الإلكترونية في كاحل المرضى، أو إجبارهم على تنزيل تطبيق للتعقّب، أو تهديدهم بالتوقيف إذا ما بيّنت هذه التقنية خروجهم من المنزل. وحتّى لو استطاعت الحكومة إظهار الحاجة الخاصة هنا، فإنّ الموازنة بين المصالح والتكاليف الناجمة عن طلب مذكّرة لإجراء عملية بحث وتحرٍّ من هذا النوع لا تزال مطلوبة بموجب هذا المبدأ. كما أنّ عملية المراقبة خلال الحجر الصحي تُعتبر تدخّلية للغاية، ويجب على الحكومة أن تكون قادرة على طلب مراجعة قضائية فورية لأيّ حاجة مزعومة من أجل المراقبة خلال فترة الحجر.

يفرض دستور الولايات المتحدة كذلك مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة والتي تفيد بضرورة إبلاغ الشخص المعنيّ عندما تقرّر الحكومة حرمانه من حريته وكذلك إتاحة الفرصة للاستماع إليه. وفي هذا الإطار، يجب أن تُتاح للمرضى فرصة عادلة وفي أوانها للطعن في استخدام تقنيات المراقبة التي ترصدهم خلال فترة الحجر المنزلي.

خلاصة

تُعتبر عملية تتبّع المواقع الجغرافية الآلية، بما في ذلك وضع أساور "جي بي إس" في كاحل الشخص أو إجباره على تنزيل تطبيق للمراقبة، تدخّلاً خطيراً في الحرية الشخصية. والأمر الصادر بالحجر المنزلي، بعد تبيان إصابة الشخص بفيروس كوفيد-19 أو اعتباره معرّضاً لخطر الإصابة بالعدوى، لا يبرّر عملية المراقبة هذه.

لا يتوجّب على الأفراد أن يتكهّنوا بشأن أنواع عمليات المراقبة التي ستطلبها الحكومات فيما بعد. بحجّة احتواء فيروس "كوفيد-19، طلبت حكومتا روسيا والصين من جميع السكّان (وليس المصابين منهم فقط) أن ينزّلوا تطبيقات تتبّع الموقع الجغرافي على هواتفهم، قبل أن تستخدم الحكومتان هذه التطبيقات لرصد تحرّكات السكّان وتقييدها. والتاريخ يرينا كيف تتمسّك الحكومات بالصلاحيات التي حصلت عليها خلال الأزمات حتّى بعد انتهائها.